السبت، 24 أبريل 2010

الجغرافيا مابين التدريس و التدريب





الجـغـرافـيـا بيـن التـعليـم و الـتدريــب

أ.د. مـضـر خـليل العـمـر

1 - الـمـقـدمـة :

الحس الجغرافي رفيق الانسان منذ بدء الخليقة ، فانسان العصور القديمة قد اهتم في تحديد اماكن وجود الحيوانات التي يصطادها ، ورسم مواقع تواجدها على جدران الكهوف . لقد شاهد الواقع و وثق الحقائق التي عرفها على جدران الكهوف . انه اول توثيق تاريخي جغرافي علمي يعمله الانسان . ومع ظهور المدن و الدول ، كانت الرحلات التجارية وسيلة لجمع المعلومات عن الاماكن الاخرى . كذلك كانت الغزوات والحروب ورحلات طلب العلم والحج ، جميعها رحلات مزدوجة الغرض ، هدفها غير المعلن جمع المعلومات ونقل صورة عن المشاهدات في العالم الآخر . وقد امتزجت الحقائق مع الخيال والخرافات والاساطير ، وصيغت قصص شيقة يجتمع لسماعها الكبار و الصغار . وكانت المشاهدة الميدانية هي الوسيلة الرئيسية لجمع المعلومات الجغرافية .
تبقى غريزة الاكتشاف (الفضول) دفينة في حنايا الانسان تبرز مع كل طارىء ومستجد ، ومع كل تبدل يحدث في الواقع المألوف لديه . وهذه الغريزة فطرية تولد وتنمو معه ، فالطفل يألف غرفته ولا يتقبل الجديد بسهولة . وبمجرد تعلمه الزحف يتحرك نحو الاشياء التي كانت تثير فضوله و ممنوعة عليه ليكتشفها بنفسه . فهو ينظر تحت السجاد و الوسائد و الكراسي و خلفها بحثا عن لا شيء وعن كل شيء . انه يريد ان يتعرف على البيئة المحيطة به بنفسه دون تدخل من احد .
وقد نظمت الدول منذ الازل عمليات المسح الميداني واكتشاف المناطق الاخرى ، الاغريق ، الرومان ، رحلات الفايكنك ، حركة اكتشافات العالم الجديد و مجاهل افريقيا ومنابع النيل . وكان الخراج يجمع على اساس مسح ميداني ، وكذلك تحدد مواقع المدن والامصار والابار . وبعد الحرب العالمية الثانية ، ونتيجة التوجهات التطبيقية في العلوم المختلفة ، ولغرض مسح الموارد الطبيعية والبشرية واعمار ما دمرته الحرب والتبدلات الحاصلة في التقنيات الانتاجية و الطاقة المستخدمة ، ومن اجل رسم وتنفيذ السياسات التنموية فقد اصبح المسح الميداني ركيزة للعمل العلمي و المهني يجب التدرب على استعمال تقنياته . وعلى هذا الاساس ادرجت مادة الدراسة الميدانية ضمن مفردات و متطلبات المناهج الدراسة وعلى مختلف المستويات .
اليس نزول الانسان على سطح القمر هدفه اكتشاف كوامن الارض ؟ اكتشاف مالا يمكن رؤيته من على سطح الارض ؟ وما الهدف من تطوير تقنيات التحسـس النائي (الاستشعار عن بعد) الا تؤكيدا على هذا ؟ لنتعلم تقنيات اكتشاف الحقائق التي نعيش في كنفها ونراها يوميا دون ان ندركها ؟ لنتعامل مع العالم الداخلي و الخارجي بحس جغرافي فطري مؤطر بالاسـس النظرية التي حفظناها دون ان نعي معانيها او اهميتها لحياتنا اليومية .
ففي بريطانيا اوجدت وزارة التربية مراكزا اقليمية يسعى اليها الطلبة لتنفيذ برامج دراسية ميدانيا سواء في الجغرافيا او علوم الحياة او الجيولوجيا او التربة . وعلى الرغم من ان الوظيفة الرئيسية للمراكز الميدانية هي توفير السكن و تسهيلات العمل الميداني للطلبة الا انها كانت تستثمر لدراسة العديد من الموضوعات على الطبيعة خارج قاعات الدرس ( Boardman 1969 ) . ويتم تنظيم الزيارات لهذه المراكز وفق جدول زمني معلن لا يسمح بتجاوزه . يوفر المركز جميع مستلزمات الاقامة و الدراسة الحقلية و متطلباتها من اجهزة و عدد . اضافة الى هذه المراكز ، تقدم بيوت الشباب خدماتها باجور زهيدة للمجاميع التي تقوم بدراسات ميدانية في الجوار .

2 - الجغرافيا و الهدف من تدريسـها :
تدرس الجغرافيا الانسان على سطح الكرة الارضية وتفاعله المتبادل معه ، أي دراسة الانسان في البيئة التي يعيش فيها وينشط . ولايقصد بسطح الكرة الارضية اليابس فقط ، بل كل ما يتصل به من ماء وغلاف غازي وكل ما عليه من مظاهر طبيعية و تلك التي صنعها الانسان وكل ما يؤثر عليه . فتدريس الجغرافيا يهدف تعريف الطلبة بهذه البيئة و كيفية تحسـسها واستيعابها و التعامل معها ومع متغيراتها العديدة المتنوعة . وتبدأ العملية التعليمية بالبيئة المحلية ، عادة ، من مبدأ من لا يفهم ما يحيط به لا يستوعب العالم الخارجي بصورة صحيحة ، ولا يفهم جغرافية العالم رغم قرائته لها في الكتب وحفظه لهذه المعلومات عن ظهر قلب . ولهذا السبب فقد حددت اهداف تعليم الجغرافيا في العديد من بلدان العالم بالنقاط الاتية :-
(1) تطوير معرفة الاماكن و مواقعها و استيعابها ،
(2 ) تطوير معرفة البيئات الطبيعية و البشرية واستيعاب توزيعها المكاني ،
(3) تطوير استيعاب العمليات المؤثرة على البيئات ،
(4) تطوير استيعاب العلاقة بين المجاميع البشرية من جهة ، وبينها و البيئات على سطح الارض من جهة اخرى وتنظيمها المكاني ،
(5) تطوير استيعاب مختلف المجتمعات و الحضارات ،
(6) معرفة سلسلة من التقنيات وتطوير الخبرة فيها لممارسة الدراسة و العمل الميداني و البحثي و رسم الخرائط و قرائتها و معالجة البيانات لتساعد في فهم البيئة ،
(7) تطوير الاحساس بالبيئة واستيعابها ،
(8) تطوير استيعاب العلاقة بين القرارات التي يتخذها الافراد و مواقعهم (المكانية و الاشتقاقية) و القيم التي يعتنقوها عن البيئة ، و
(9) تطوير استيعاب التباين المكاني للفرص المتوفرة امام الانسان للعيش و العمل .
(Milner 1988 ) . لاحظ ان كلمة ((تطوير)) مكررة وتعني ضمنيا وجود معرفة مسبقة قبل المدرسة ، من البيت و الحي السكني ، من الغريزة ، ودور المدرسة تطويرها وتعميقها وفق أسـس منهجية علمية هادفة .
لقد عرف البعض الجغرافيا بانها علم البيئة البشرية Human Ecology وان لها طريقتها الخاصة للنظر الى الاشياء الموجودة على سطح الارض و استيعاب انماطها المكانية و العمليات المؤثرة عليها . لذا فللجغرافيا منطقها الخاص بها في فهم الظواهر على سطح الارض وتفسيرها ، وبالتالي التعامل معها . ولا يتم الاستيعاب واكتساب الخبرة من خلال قراءة الكتب المنهجية في قاعات الدرس ، بل من خلال تطوير مهارات معينة . فالجغرافيا تعليم و تدريب في الوقت ذاته ، تعليم نظري وتدريب عملي على ممارسة التقنيات التي تساعد في ملاحظة العالم الخارجي (البيئة) و التحسـس به كوسيلة لفهمه واستيعابه ، دراسة العناصر و المتغيرات المكونة لهذه البيئة و آلية عملها وتفاعلها والعوامل الداخلية و الخارجية المؤثرة عليها
والخبرة المطلوب ان يتدرب الجغرافي عليها ليفهم البيئة ، ليفهم الجغرافيا بمعناها العلمي الصحيح ، ولكي يتناسب تعامله معها مع قيمتها واهميتها ، هي :-
(1) ملاحظة الحقائق وتسجيلها وتحليلها كميا ونوعيا (المسح الميداني وتحليل البيانات)
(2) التمثيل البياني للمعلومات و البيانات ، ورسم المخططات الانسيابية و مخططات سطح الارض ببعدين او اكثر ,
(3) قراءة الخرائط ومعرفة الرموز و المقاييس والاتجاهات ، واستعمال البوصلة و خطوط القياسات المتساوية ، واشكال سطح الارض . المطلوب قراءة الخرائط بكل انواعها ومقاييسها بيسر كما تقرأ الجريدة اليومية ،
(4) قراءة وتفسير الصور الجوية و المصورات المجسمة والربط بينها وبين انواع الخرائط الاخرى ،
(5) تفسير الانماط المكانية والعلاقات بينها : استعمالات الارض ، النبات الطبيعي ، المستقرات البشرية ، شبكة الاتصالات ، جميع الظواهر الجغرافية .
يستدل من هذا ، ان الجغرافيا بمفهومها العلمي لا يمكن ادراكها الا من خلال الربط بين ما يدرس في قاعات الدرس من نظريات و معلومات و مع البيئة خارجها (الواقع الذي يعيشه الطالب) . الجغرافيا تعلم الفرد كيف يفهم عالمه المحيط به بمنطق شمولي ونظرة نظامية تربط بين عناصر الحياة المختلفة .
وقد اختلف الباحثون في تحديد : أين يبدأ تعلم الجغرافيا والاحساس باهميتها ؟ هل في قاعات الدرس اولآ ثم الميدان ؟ ام في البيئة المحلية ثم المدارس لاحقا ؟ بيتر كولد ، على سبيل المثال لا الحصر ، يرى ان الاطفال جغرافيون ممتازون لأن العابهم مليئة بالحس الجغرافي لاعتماده المكان و المظاهر الطبيعية المختلفة اساسا (Gould 1985) . فالحس الجغرافي و الفضول لاكتشاف المكان (الغرفة ، المنزل ، ... ، الخ) غريزة طبيعية في الانسان ولكنها تقتل في قاعات الدرس باعتماد طرائق تدريس جامدة لا تخرج عن اطار الكتاب المنهجي وحفظ مافيه من معلومات مسطرة بشكل نسقي عن الدول الاخرى التي لا يعرف الطفل ماهي وماذا تعني وماهي اهمية دراستها ولا كيف يستفيد من معرفته لها . الجغرافيا ليست معلومات مبوبة عن الآخرين ، بل هي دراسة عناصر الحياة التي يعيشها الانسان . ولأن متغيرات الحياة كثيرة التنوع و التعدد ومتسارعة الحركة فلا مجال لاغماض العين عنها بل معرفة موقع الفرد منها و متابعة حركتها للتمكن من التخطيط لحياة افضل .

3 - أهـمـيـة الـدراسـة الـمـيدانيـة :
لقد كتب الكثير عن الدراسة الميدانية واهميتها ، ادناه غيض من فيض :
(1) الدراسة الميدانية هي اختبار عن قرب وتحليل ميداني لجزء من البلاد يسهل الوصول اليه لتوضيح واحد او اكثر من معطيات التباين المكاني (Wooldridge & East 1966 ) .
(2) ان المختبر الحقيقي للجغرافيا هو العالم خارج قاعات الدرس ، وان دراسة الاقليم الأم (البيئة المحلية) هو المعيار الوحيد الذي يقاس به العالم ويفهم (Board 1965)
(3) ليس هناك طريقة في تعلم الحقائق افضل من الذهاب و النظر اليها كماهي وحيث تكون ، وعندها تبنى المعرفة كما يبنى المنزل بالاجر و المواد الماسكة (Jones )
(4) ان اسلوب الحصول على المعلومات الجغرافية بالملاحظة المباشرة هو اسلوب رئيسي واساسي، وليس بوسع معلم الجغرافيا الاستغاء عنه (اليونسكو ، ب.ت.) .
(5) هدف الزيارة الميدانية هو تعويد الطالب على ملاحظة الاشياء وتطوير خبرة الملاحظة وتفسير مايراه (Hutchings 1962) .
(6) معظم التربويين متفقون على ان العمل المنجز في الحقل الميداني يشعل المخيلة ويحفزها لدراسة الجغرافيا في قاعات الدرس ويقود الى تعظيم الافكار الجغرافية الجوهرية (Boardman 1969)
(7) فعندما يدرب المعلم طلابه على الملاحظة و المشاهدة فانه يطور بذلك ملكة النقد عندهم ويعلمهم ان ينظروا الى الامور نظرة فاحصة مميزة ، والا ينجرفوا في تيار الاعجاب الاعمى بكل ما يقرأوه ، بل ان يفكروا بانفسهم تفكيرا يستند على الحقائق و المعلومات التي يلمسوها بانفسهم ، وباختصار ، ان يتفاعلوا مع هذه العناصر . وهذا الاتجاه يربي الروح التي تبعث على البحث العلمي ، وتثير في الصغار الرغبة في ان يسهموا في مجال البحث العلمي في المستقبل (اليونسكو ب.ت.) .
(8) الدراسة الميدانية تطور النظرة للبيئة المحلية و البلد ، وتعود على التفكير بالمشاكل من اجل حلها ، و وضع فرضيات و اختبارها في الميدان (Everson 1961) .
(9) الدراسة الميدانية وسيلة لاكتساب المعرفة من خلال الملاحظة و اكتشاف البيئة المحلية . تتطلب الدراسة الميدانة نوعية و قدرة عقلية مختلفة عن تلك التي تطورت من خلال التعلم من الكتب و كراريس المحاضرات . انها نوع من التعلم النابع عن الفضول لمعرفة العالم الملموس و المرأي ، وينطلب قدرة للنظر الى ماوراء مظهر الاشياء
(10) الدراسة الميدانية توسع دائرة الخبرة المرأية و النجاح في استيعاب الجغرافيا اعتمادا على قدرة الطالب لتشكيل الصور الذهنية عن الاماكن . بدون هذه الصور يصعب على الطالب فهم العمليات الطبيعية و التفاعلات العضوية للنشاطات البشرية . وكلما ازداد عدد الاشياء و العمليات التي يراها الطلبة يتحسن تصورهم للاخرى التي لا يستطيعون رؤيتها (المصدر السابق) .
(11) وعند تمكن الطالب من النظرة الجغرافية يصبح بوسعه اتخاذ المواقف الايجابية من العالم الممتد امام ناظريه ، مما يجعل رحلاته واسفاره ذات فائدة تعليمية واكثر متعة و بهجة (اليونسكو ب.ت.) .
(12) حقا ان الهدف الرئيسي للدراسة الميدانية في المدارس هو اكتساب الطلبة للمفردات الجغرافية اعتمادا على الملاحظة المباشره (Bailey 1963) .
(13) ويتم اغناء الجانب الاكاديمي لعمل الطالب من خلال اتصاله المباشر مع الحقيقة والانغماس شخصيا بالدراسة و امتلاك هذه المعرفة ، وحينها يكون اكثر قدرة على الاتصال واكثر تقديرا وادراكا لعمله (Jones 1968) .
(14) افضل طريقة لدراسة الجغرافيا هي بالخروج من قاعة الدرس بدفتر ملاحظات وخارطة لتسجيل الحقائق ورسم المخططات و المقاطع و الخرائط ومن ثم تفسيرها
(15) أن تتعلم كيف تعمل شيء يعني أن تتعلم مهارة ، وهذه تكتسب وتمارس ضمن دروس الجغرافيا ، وان تمزج مع معرفة الحقائق واستيعاب الافكار و القيم . وسوف يختبر الامتحان القدرة على استعمال هذه المهارة من خلال طلب رسم خرائط و مخططات و تفسيرها وتحليل المعلومات التي جمعت ميدانيا (Milner 1988) .
(16) و التدريس المبني على المشاهدة و الملاحظة يستلزم تدريبا منتظما متصلآ . ومن الخطأ ان تقتصر الملاحظة على الحقائق غير العادية و المناظر الغريبة العجيبة مهما كانت رائعة خلابة او شاعرية . ومن الخطأ ايضا ان تقتصر على اكبر الشلالات او النصب التذكارية او المعالم الهامة من كل نوع . فالامور التي يتوجب على المدرس ان يؤكدها هي الاشياء العادية والمناظر التي يراها الطالب في حياته اليومية مهما كانت مألوفة . وباختصار ، يجب تخطي حدود الملاحظة الضيقة ، وتحاشي اعطاء الطالب الجغرافيا على شكل (كتاب دليل) بل توجيه الانتباه الى الملامح المميزة للمناظر الطبيعية وما يقع في مؤخرتها (اليونسكو ب.ت.) .
(17) يحفز العمل الحقلي جميع الطلبة لأنه يحول العمل الى لعب و التعاون الى تعلم
(18) يؤدي العمل الحقلي الى صداقة وصلة غير رسميه بين المدرب و المتدرب ، وهذا بدوره يوصل الى افضل النتائج في الدراسة الميدانية وذلك لأنها خبرة مشتركة بين التدريسي و الطلبة (Boardman 1969) .

4 - مـاذا يدرس الطـلبـة مـيدانـيــا ؟
لتشعب الموضوعات التي يدرسها الجغرافي ، و للتباين الكبير في اهتمامات الجغرافيين و خبراتهم في العمل الحقلي ، فقد تنوعت مقترحاتهم وارائهم . ولا ننـس تنوع البيئات المحلية التي يسهل الوصول اليها باقل التكاليف واثرها على اختيار برنامج الدراسة . في هذا المبحث تستعرض بعض المقترحات دون تشذيب او تحوير للتعريف بها ولاعطاء فرصة اختيار المناسب منها .
(1) مقترح بوردمـان : عرض بوردمان برامج الدراسة الميدانية في ثانويات بريطانيا موضحا ان هدف الدراسة الحقلية استكمال مفردات المحاضرات وطبقا لمستوى الطلبة و قدراتهم العقلية . فطلبة السنة الاولى ثانوي يعطون ممارسة أولية لقراءة خارطة بسيطة في المحيط المجاور للمدرسة واستيعاب مقياس الرسم و القدرة على توجيه الخارطة . وفي السنة الثالثة ، تستثمر المظاهر الطبيعية المحيطة بالمدرسة والتباينات المحلية ، وربط التركيب الجيولوجي بمظاهر سطح الارض المختلفة وبنظام التصريف و مجرى النهر من حيث سرعة جريان المياه و قياس كمية التدفق ورسم مقطع للمجرى ورسم مخططات ميدانيا لمظاهر التعرية والترسيب في منعطفات النهر . كذلك قراءة خرائط اشكال سطح الارض و الصور الجوية . ويزور جميع طلبة السنة الثالثة وما بعدها المركز الميداني سنويا . وفي بداية كل عام دراسي يصدر منشور يوضح طبيعة الدراسة المزمع القيام بها . وفي السنة الرابعة تدرس المستقرات الريفية مع زيارة احدى القرى ودراستها بتفصيل ((الموقع ، خطة المستقرة ، المباني ، الخدمات ، ومقارنة ذلك مع نتائج المجاميع الاخرى التي درست قرى اخرى)) . كذلك ممارسة قراءة واسقاط استثمارات الارض عليها بمسار يمر عبر المزارع مستخدمين خارطة بمقياس (6) انج للميل الواحد . تدون الملاحظات الدقيقة مع التفسير العلمي للمظاهر الاساسية المشاهدة لتعطي الدراسة الميدانية حقها و قيمتها العلمية . وبعد انتهاء المجاميع من عملها ، تجمع النتائج وتناقش من قبل الجميع . وهنا يتم الاستفادة من خرائط التضاريس و الجيولوجيا و المناخ و تتم مناقشة العوامل الاقتصادية من مردود وربحية وسوق وتسهيلات ونقل . وفي السنة الخامسة تدرس المراكز الحضرية ميدانيا من حيث العوامل الاقتصادية و التاريخية ، مسح المباني واستعمالاتها باستخدام خارطة بمقياس (25) انج للميل الواحد ، وتحديد النطاقات الوظيفية و مراحل نمو المدينة . كذلك تدرس خدمات النقل وحركة المرور وكثافته . وفي السنة السادسة تدرس العلاقة بين المظهر الارضي الطبيعي و المظهر الحضاري . كذلك يتم تحليل الظواهر والمشكلات و التحولات في البيئة الريفية و الحضرية مع التأكيد على التمثيل الخرائطي للنتائج و التفسير المنطقي لها (Boardman 1969) .
(2) مقترح منشـل :يرى منشل ان تدريس الجغرافيين وتدريبهم ميدانيا يجب ان يشمل انواعا مختلفة من النشاطات ، مثل :-
(أ) زيارة حقلية لملاحظة التوزيعات و مظاهر سطح الارض ،
(ب) التدريب على تقنيات الملاحظة وتسجيل الظاهرة قيد الدرس ،
(ج) الدراسة والعمل الحقلي الذي يضم النشاطات الاتية :-
- تسجيل البيانات على خارطة اساس ,
- صنع خارطة اصلية لمنطقة الدراسة ،
- حساب تكرار الاشياء : سكان ، عجلات ، ..... ، الخ .
- ملء استمارة استبانة ، و
- وضع مخططات ميدانية Field Sketching .
(د) جمع عينات و وثائق من الميدان ، و
(هـ) اختبار فرضية علمية في الميدان . (Minshull 1972) .
(3) مقترح بيـلـي : وضع بيلي برنامجا خاصا للدراسة الميدانية ، يشمل :-
1 - دراسة شكل سطح الارض Landform مع الاساس الجيولوجي ،
2- اختيار منطقة ذات سمات طبيعية متميزة (اهوار ، بحيرات هلالية ، كهوف ) ،
3- دراسة الظهير الطبيعي للانهر او الشواطىء ،
4- زيارة منطقة صناعية او تجارية او خدمية كبيرة (محطة توليد طاقة مثلآ)
5- مسح منطقة حضرية وتقييم بعض المعايير فيها ،
6- مسح الخصائص التاريخية للموقع المؤثرة على المنطقة من حيث الامكانات الذاتية و المشاكل ، و
7- دراسة مزرعة او مجموعة من المزارع . (Baily 1963) .
(4) مقترح يتـس و ربرتسن : يختصر يتس و ربرتسن الامر بالقول بان جميع الاقاليم يجب ان تستخدم للدراسة الميدانية وذلك بالانتقال في التعليم من المعروف الى غير المعروف . لذا يجب ان تبدأ الدراسة الميدانية حيث تقع المؤسسة التعليمية (Yates & Robertson 1968) .

5 - بعـض مـشـاكل الـدراسـة الـميدانيـة :
كل نشاط علمي ، وحتى غيره ، من الضروري التفكير به و التخطيط له قبل انجازه ليحقق الهدف باقل جهد وكلفة واعلى المردودات ، وتكون الحاجة الى التخطيط ملحة عندما يكون العمل جماعي وبهدف سامي . تتطلب الدراسة الميدانية في الجغرافيا الكثير من التهيئة و التنظيم ، وحسب رأي بوردمان فان لهذه الجهود نتائج لا يمكن حصرها . وكل نشاط له مشاكله الخاصة النابعة من طبيعته . وما يطرح هنا بعض المشاكل العملية المعاشة عن خبرة من سبقنا في ميدان الدراسة الميدانية :-
1- أول مشكلة يواجهها الجغرافي هي اختيار منطقة الدراسة ، ولتسهيل الامر يذكر بيلي معاييرا تعتمد لاختيارها :-
أ - ان تضم تنوعا في الظهير الطبيعي و النشاطات البشرية ،
ب - ان تضم مستقرة اقليمية بعمر قديم نسبيا ، واهمية تسمح باستخدام تقنيات الدراسة الميدانية في البيئات الحضرية ،
ج - ان تكون نموذجا للظروف والاتجاهات او المشاكل السائدة في منطقة واسعة ، و
د - ان لا تكون مألوفة من العديد من الطلبة لتوفير فرصة جديدة للتعلم .
ويفترض وودرج و ايست ان تضم منطقة الدراسة الميدانية تباينا اقليميا في التضاريس و التربة والنبات الطبيعي والبناء الجيولوجي . ومن الضروري ان لا يكتفى بالتدريب على تقنيات دراسة المظاهر الجيومورفولوجية فقط ، بل المظهر الاجتماعي Social Morphology المتمثل بخصائص المجاميع السكانية و توزيعها و البحث عن مصادر المياه وتاريخ المستقرات البشرية . ويوضحان حقيقة الجغرافيا وفلسفتها بقولهما بان دراسة اشجار الغابة لا يعني دراسة الغابة ، فالغابة كل متداخل ومتشعب من الموضوعات و المفردات التي تهتم بها علوم مختلفة . كذلك الحقيقة الجغرافية فهي اكثر من الزاوية التي يدرس بها المختصون في العلوم المنفردة (جيولوجيا ، تربة ، مناخ ، سكان ، تاريخ ) انها كل متكامل (Wooldridge & East 1966)
2 - تساعد المعرفة التفصيلية بمنطقة الدراسة في تحديد طريقة التعلم الحقلي من حيث المفردات والاسلوب و التحسب للاسئلة التي قد تطرح و المشاكل التي قد تواجه الفريق . انها تجنب التدريسي الاحراجات التي قد يواجهها نتيجة جهله بالمنطقة او النقص في التهيئة وفي توفير مستلزمات الدراسة . فالبرنامج التعليمي المخطط مسبقا وتوفير الادوات والاجهزة و المستلزمات المطلوبة مرتبطان مباشرة بالمعرفة التفصيلية بمنطقة الدراسة الميدانية . فالزيارة الاولية لها قبل اخذ الطلبة اليها امر ضروري جدا ، تتبعها جلسة مناقشة و تخطيط من قبل القائمين بالتدريب الميداني . ومن المهم جدا ان توضع بدائل عديدة لما يمكن رؤيته او عرضه على الطلبه ، وبدائل لخط السير والطرائق التي تتبع لجمع المعلومات Hutchings 1962)) . ومن الضروري ان يكون العمل المزمع القيام به معدا بدقة مسبقا . فيجب ان يكون واضحا عند المدرب ماذا يريد طلبته ان يعملوا وان يعرفوا و الهدف من التدريب . عليه ان يجيب عن السؤال (( أي العوامل الجغرافية اثرت في هذا المكان وانتجت هذا الواقع الذي يراه ؟)) (اليونسكو ب. ت.) . ومن الممكن ان يجزأ العمل الى مراحل تعليمية ، أي وضع اهداف ثانوية مرحلية توصل في النهاية الى تحقيق هدف دراسة المنطقة جغرافيا .
ولا تقتصر المعرفة الجيدة بمنطقة الدراسة بالقائمين بالتدريب بل تشمل سائق العجلة التي تنقل فريق العمل لضمان معرفة مداخل و مخارج المنطقة وعدم اضاعة وقت في السؤال و التجوال غير الضروري . فالمعلومات عن المنطقة يجب ان تكون عامة في جانب و تفصيلية في الجوانب ذات العلاقة ، كذلك في كيفية الوصول اليها .
3 - وقت الدراسة الميدانية : غالبا ما يكون هذا في ساعات الدوام الاعتيادية ، ويعني زيارة قصيرة لاماكن قريبة ، وبالنهاية فائدة محدودة . او ان تكون في اماكن ابعد ولاكثر من يوم واحد ولهذه مشاكلها العديدة ، مع فوائد اكثر لما تعطيه من فرص التعلم . وان العمل الحقلي لمدة يوم واحد يجعل مساحة منطقة الدراسة صغيرة مالم تظهر فيها تباينات ونمط واضح لاستعمالات الارض .
4 - مستلزمات الدراسة الحقلية : لكل نوع من تقنيات الدراسة الحقلية متطلبات وادوات ، ولكن تبقى الخارطة القاسم المشترك بين الجميع ، مع فارق مقياس الرسم المناسب وموضوع الخارطة . اضافة الى توفير المستلزمات ، من الضروري ان يكون التدريسي قد تعرف بشكل جيد ومارس بمافيه الكفاية على استعمال التجهيزات والعدد و الوسائل . فالدراسة الميدانية هي خبرة مضافة للتدريسي و معرفة عملية جديدة للطلبة .






هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم
    بسم الله الرحمن الرحيم
    المواضيع جدآجدآروعه واعجبتني
    ويعطيكم العافيه مشكورين

    ردحذف